الإمكانات المتاحة لمشروع " طفل فنان " الذي أنشأته الفنانة فالنتينا أبو عقصة قبل أربع سنوات شحيحة وهذا ينعكس على العمل المسرحي ، لكن رغم ذلك فقد نجحت المسرحية في إيصال محطات هامة في مسيرة شعب بأسلوب درامي موفق.

http://www.aljabha.org/q/index.asp?f=3309153178  

"شبابيك الغزالة" اداء مسرحي رائع لنص ادبي رفيع

اسكندر عمل

 

اداء مسرحي رائع لنص ادبي رفيع، وما يزيد من روعته ان أبطاله على خشبة المسرح اطفالٌ سناَ، ممثلون بارعون ناضجون ابداعاَ.

 

لا اقول ذلك لتشجيع هذه البراعم الموهوبة،مع ان التشجيع في مثل هذه الحالات واجب، بل لأُبدي إنفعالي وتقديري الحقيقيين لهذه المواهب الناشئة.

 

الامكانات المتاحة لمشروع "طفل فنان" الذي انشأته الفنانة فالنتينا ابو عقصة قبل اربع سنوات، شحيحة وهذا ينعكس على العمل المسرحي، لكن رغم ذلك فقد نجحت المسرحية في ايصال محطات هامة في مسيرة شعب باسلوب درامي موفق.

 

اطفالنا مبدعون وقادرون على فعل العجائب ولا ينقصهم سوى من يكتشف مواهبهم ويرعاها ويوجهها كي تنمو وتكبر فيسطع نجمهم.

 

فالراوي وقف امام جمهور كبير واثقاَ بنفسه، واضح الصوت، حاد النبرات يتحدث باللغة العربية الفصحى، لغة النص، متقناَ السرد، محافظاَ على الوقف، منطلقاَ في إدائه دون رهبة او خوف، طفل يثبت ان الاطفال مبدعون.

 

وتأتينا غزالة، طفلة اخرى، ممثلة بارعة لتروي لنا قصتها. قصة عائلتها وابيها عيد والفقر الذي عاشت فيه هذه العائلة. العائلة التي عمل فيها الاب في اعمال شاقة، طقطوقة من هنا وطقطوقة من هناك.

 

تتحدث عن وعود ابيها لأمها ان يسكنها في اجمل بقاع فلسطين على جبل الكرمل وعن تجند ابيها في جيش اليهود وطرده منه بعد ان انضم الى حزب الواوية وحمل البطاقة الحمراء. هذه قضية الشعب الفلسطيني الذي بقي على تراب وطنه بعد النكبة، جيل واكب النكبة وجيل ولد بعدها وتتضح صور معاناة هذا الشعب مع مشاهد المسرحية ومشاركة الأطفال في فتح شبابيك جديدة ومحاولة اغلاق شبابيك اخرى، فمشهد الساعة وما دار حولها في محطة الباص، حيث مل الاخوة الإنتظار. الساعة الصغيرة، الأمنية البعيدة المنال بالنسبة لغزالة واخوتها ، وسهلة المنال لابن ذلك الغني الذي يربح الكثير من بناء بيوت لليهود على ارض كانت لنا يوما مع انه ما زال لا يعرف ان يكتب اسمه، مشهد يكشف النقاب عن جرح لم يندمل بعد، آثاره حية كلما مررتَ ببيارة او حقل كانت بالأمس لك.

 

مشهد يعكس ما حل بالشعب الفلسطيني من تشرذم وانقسام، اطفال يلعبون ادوارهم على خشبة المسرح ببراعة، حركات مسرحية، اصوات تعلو وتنخفض، حزينة احياناً فرحة احياناً اخرى. لا تشعر انك امام اطفال يمثلون، بل امام ممثلين بارعين قطعوا شوطاً من التدريب، طوروا انفسهم ومهاراتهم خلال الأربع سنوات الأخيرة. ونرى في هذه المسرحية ذات المشهد الواحد ثمار هذا الجهد، الجهد الذي بذلته الفنانة فالنتينا ابو عقصة منذ تأسيسها لمشروعها المتميز فعلاً على الساحة الفنية والثقافية المحلية.

 

لا اريد التطرق لأحداث المسرحية تفصيلاً، لكن هناك مشاهد بارزة في المسرحية تعكس استمرار سياسة الاجحاف ضد ابناء شعبنا، كمشهد مصادرة الأراضي والعنف المسلح الذي رافقها ضد اصحاب الأرض، اصحاب الحق، وغزالة التي اصيبت وكادت تصير "عورة في اثناء مواجهتها هي واطفال وشباب ونساء وشيوخ القرية لعمليات المصادرة البشعة.

 

وشجرة الميلاد والأحلام الصغيرة لقلوب كبيرة والفرحة التي لا توصف ورغم محاولات ابنة ذلك الغني تعكير صفو فرحها بشجرتها، اكدت غزالة لنفسها ان شجرتهم اجمل شجرة والنجمة التي تكللها شهادة على عبقرية الأم الكادحة.

 

الهوية والانتماء جذورهما في معرفة الطفل لتاريخه ولغته ، والمسرحية تذوت في ابطالها وفي مشاهديها هذين العنصرين، فاللغة الفصحى التي تغلب على معظم مشاهد المسرحية تحبب اللغة لقائلها ولسامعها وتجعل سماعها مألوفاً. فنحن كمعلمين نواجه ظاهرة ضحك الطلاب من محاولات بعضهم التحدث بالفصحى، وهنا لا بد من الإشارة الى الفوائد التربوية واللغوية التي تقدمها المسرحية حين يرى طلابنا اطفالاً يتقنون الفصحى ويتمتعون بالحديث بها. والأحداث وما تحمله من تاريخ هذا الشعب وتصوير مبسط وواقعي لمسيرته وما واكبها من مآس وعقبات. ذلل شعبنا بعضها، بصبره وكفاحه ومثابرته ودفاعه عن حقوقه هذا التاريخ الذي لم يعشه اطفالنا وعلى كل منا ان ينقله اليهم كل باسلوبه، وما اروع ان يكون هذا التذويت عن طريق الفن والمسرح كي يكون ممتعاً رغم مرارته. وما امتعه ان كان الممثلون اطفالاً يعيشون التجربة من خلال الدرس والتمثيل وينقلونها لإخوتهم الأطفال وليذكروا الكبار، اذا كانت هموم الحياة قد انستهم بانهم ابناء لشعب لا يزال يكافح من اجل حقوقه وانسانيته.

 

في نهاية مقالتي هذه اوجه الف تحية للمبدعات والمبدعين ، اشبال المستقبل: ايزيس ابراهيم، جنان سبيت، حنا حجار، سامر مراد، صادر صادر، ماريا زريق ، ميساء ضو و ناشد عبد النور.

 

شبابيك الغزالة .

تجربة مسرحية من فصل واحد

إعداد وإخراج:

فالنتينا أبو عقصة

 

من قصص شبابيك الغزالة ل د. سهير أبوعقصة داود

 

موسيقى:

حبيب شحادة حنا  - تصميم إضاءة : نعمة زكنون  - تقنيات : يوسف خميسة - تصميم غرافي : رشاد ديك