كتبت مسرحية الحلم التي تتشعب أحداثها بطريقة سلسة للغاية وتجمع بين طياتها تمردا على حياتنا ، وانسيابا مع الجميل منها في لحظات معينة والنتيجة كانت عبارة صادقة تصف شيئا من وضعنا السياسي والإجتماعي في آن واحد.

http://www.aljabha.org/q/index.asp?f=3281064260

 

حين يحمل الأطفال الحلم الى المسرح..

تقرير: فراس خطيب

                   

مشروع متميز بادرت اليه الفنانة فالنتينا أبو عقصة بمشاركة أطفال موهوبين على خشبة المسرح، يثير الاعجاب، يقوي الأمل القائم على العمل والممارسة، وأيضًا، يثير أسئلة تلامس مؤسسات كبيرة وقادرة.

 

ما زال بالإمكان أن نحلم، وأن ننطلق بما هو جديد، لعل الجديد يحمل ما يرضينا ونتنفس الصعداء. فلدينا ما يكفينا لنمضي قدما، ولدينا ما نخسره أيضا حتى ولو كان حلما صغيرا. كان فعلا حلما صغيرا، ومن ثم أصبح الحلم فكرة تراود صاحبها من حين الى آخر. بدأت هذه الفكرة تكبر وتكبر حتى أصبحت مشروعا لحلمها الصغير، فلا بد من أن الأفكار مهمة لكن ترجمتها على أرض الواقع أهم بكثير، فنحن نشكو واقعنا دائما وقلما نفعل من أجل تغييره، ولكن من المطمئن أن نشهد مشروعا مثل "طفل فنان" الذي بات بيتا لبعض الأطفال الذين حلموا بالظهور على خشبة المسرح، وصعدوا، ربما لم تتحقق كل أحلام طفولتهم ولكن شيئا منها تحقق. لعلها تكون فاتحة لكل أبناء شعبنا الذين معنا وفي عزلة عنا..

 

جاءت فكرة "طفل فنان" بمبادرة شخصية من الفنانة فلنتينا أبو عقصة عندما رأت أن أطفالنا بحاجة الى بيت يرعى مواهبهم، وسعت على مدار عام لتفقد الإمكانيات حتى أنشأت "طفل فنان"، هذا المشروع الذي لا يتلقى دعما ماديا ولا من أي جهة ويعتمد بالأساس على مساهمة بعض الراعين للإنتاج وعلى التطوع إيمانا بأهميته.

 

وضعت فلنتينا أبو عقصة نصب اعينها أهدافا تبدأ عند تثبيت الثقافة والفن في نفوس أطفالنا ولا سيما في نفوسنا نحن مثل أطفالنا، وتنتهي بتواصل هؤلاء مع الجمهور كي يعبروا من خلاله عن أنفسهم عن طريق عمل مسرحي. وبالفعل فقد كتبت مسرحية "الحلم" التي تتشعب أحداثها بطريقة سلسة للغاية وتجمع بين طياتها تمردا على حياتنا، وانسيابا مع الجميل منها في لحظات معينة، والنتيجة كانت عبارة صادقة تصف شيئا من وضعنا السياسي والإجتماعي في آن واحد.

 

لا يتوقف نجاح مسرحية "حلم"، نتاج مشروع "طفل فنان" عند الإنتاج الروحي والضروري. فقد برهنت أبوعقصة من خلاله أنها قادرة على إنتاج وإخراج عمل مسرحي في ظل هذه الأوضاع الصعبة التي تعاني من سوء الميزانيات. فقد عجزت وللأسف المسارح العربية الكبرى في السنة الأخيرة عن إنتاج عمل يترك أثرا كما تركت مسرحية "الحلم"، والتي عرضت في مسرح الميدان، الوطني الفلسطيني في القدس، ومسرح وسينماتك "السنا" في الناصرة.

 

ماذا قالوا عن طفل فنان؟

 

نالت مسرحية "الحلم " الكثير من ردود الفعل الإيجابية، التي بدأت عند الناقد المسرحي، وإسترسلت قليلا من الحديث من أهالي المشتركين، فقد أعطى الممثل المحترف رأيه وكانت الآراء كلها ايجابية أجمعت على رأي واحد لم يشهده عمل مسرحي في العامين الأخيرين.

 

تقول الكاتبة د. سهير أبو عقصة عن العمل: "الحلم ينقلنا من واقع مأزوم الى عالم منشود وذلك في نص هادف وجارح في كثير من الأحيان، ينتقد القوة والظلم والجوع ويحمل في طياته صرخة ودعوة الى التمرد".

 

لقي مشروع طفل فنان تشجيعا لافتًا من قبل أهالي المشتركين الذين فتشوا عن منبر لأولادهم ووجدوه في "طفل فنان"، فقد وقفوا متوحدين وداعمين للمشروع إيمانا به. هناك من تفاجأ من القدرات الحية على خشبة المسرح والأداء الذي قدم، وهناك من إبتسم متمنيا إستمرار العمل، وهناك من كانت طرقة فلنتينا على بابه فاتحة أمل جديدة.

 

تقول أنعام سبيت والدة الطفل الممثل جنان سبيت: "شعرنا بحاجة إبننا الماسة لإطار يجمعه ويغذي روحه، ويرتب فوضى أحاسيسه، وفعلا، فقد مارس ما أحب، ونتمنى لفالنتينا والأطفال ان يحققوا حلمهم في في غد قريب..

 

أما عماد وديانا زريق والدا الطفلة الممثلة ماريا زريق، فقالا: لم نكن على علم تام بموهبة أطفالنا وإختزانهم لطاقات الحب والجهد والعطاء، الى أن ضمتهم بكل محبة الأخت الفنانة فالنتينا أبو عقصة، التي أخرجت وأنتجت مسرحية "الحلم" والتي لاقت إستحسان جميع من شاهدها.

 

ولا تخفي نجدية إبراهيم والدة الممثلة إيزيس إبراهيم أن مسيرة العمل على مسرحية الحلم، وإنطلاقة مشروع "طفل فنان" زاد من ثقة إزيس بنفسها، وساهم في بناء شخصية قوية. وتضيف: "طفل فنان هو حجر أساس في بناء جيل يقدر ويستوعب المسرح".

 

وتقول فريال صادر، والدة الطفل الممثل صادر صادر، "طويلا ما بحثت لإبني عن إطار يستطيع من خلاله ترجمة مواهبه التمثيلية، وباءت محاولاتي بالفشل الى أن بدأ مشروع "طفل افنان" الذي نعتبره مشروعا بكل ما تحمل الكلمة من معان".

 

وبعيدا عن الأهالي كانت آراء أخرى لعدد من المتابعين للقضية وقال الكاتب والصحفي علاء حليلحل، "أنا من أشد المعجبين بمشروع "طفل فنان"، فهو يمثل كل ما هو جيد في هذا الوطن، الأطفال المبادرة، الموهبة والعطاء، مشروع "طفل فنان" بالنسبة لي هو أحد المظاهر النادرة جدا اليوم والذي يبعث الأمل".

 

ويقتبس المحامي أيمن عودة أقوال الكاتب جبران خليل جبران: "كيف أخسر إيماني بعد الحياة وأنا أعلم أن أحلام الذين ينامون على الريش ليست أفضل من أحلام الذين ينامون على الأرض" ومن ذاته قال: "لا شك عندي أن البذور التي تزرعها فالنتينا إذا ثابرت في رعايتها ستملأ الدنيا سنابل". وقالت الممثلة أمال قيس إبنة قرية بيت جن "أخذني الحلم الى زوايا طفولتي البعيدة التي كدت أنساها".

 

ومن وجهة نظر بعيدة عن الفن، ومهتمة في تربية الطفل وتعامله مع الأمور، تقول ايناس مرجية ، (ماجستير تربية)، "برز في المسرحية دور الطفل في المكان الذي يمنعه أحيانا من ممارسة طفولته كما هي، أوضاع الحرب، الخطر والظلم الإجتماعي والسياسي ومع هذا فإن دوره الذي يؤثر على محور الأحداث قد برز بالإضافة الى قوته وسيطرته من خلال عدة عوامل تميز عالمه ومنها: التكاثف مع فئة جيله، بحثه المتواصل، جرأته في الإكتشاف وقدرته على الحلم التي تفصله عن العالم الواقعي وتربطه بعالم الخيال".

 

مرت فلنتينا أبو عقصة مع الأطفال الذين تترواح أعمارهم بين الثامنة والثالثة عشر تجربة متميزة، لقد خلقوا مع بعضهم حيزا في الفراغ وصنعوا ما فشلت إدارات ومؤسسات في الفترة الأخيرة في صنعه. فإذا نظرنا الى مسارحنا الكبيرة نشهد نوعا من الطأطأة الوجودية التي إستمرت وخلقت خمولا مقلقا. إذا أردنا أن نصنع، فهذا ليس مستحيلا على الرغم من شح المصادر وإضمحلال الإمكانيات، ولا ننكر السياسات التميزية الغاشمة ضدنا، ولكننا نستنكر المستحيل في هذا الصدد، ونفتح الإمكانيات دائما لما هو جديد ومميز. ما فعله الأطفال مع فلنتينا هو سهل ممتنع.

 

ولو سألوا " وماذا تعني مسرحية أبطالها أطفال، لماذا هذه الضجة؟" فالإجابة بسيطة: ماذا تعني؟.. آتوني أنتم بمثلها..

 

مسرحية الحلم

تأليف وإخراج: فلنتينا أبو عقصة.

تمثيل : إيزيس إبراهيم، جنان سبيت، ديمون شلون، سامر مراد، صادر صادر، ليانة إسحاق، ماريا زريق، مجد نجمي، ناشد عبد النور.

إضاءة: نعمة زكنون.

موسيقى: مختارات عالمية.