لا تزال بالأغلب  المرأة في عالم الفن عنصرا متلقيا وليس مبادرا ، كما بمجمل الأعمال الحياتية.

 ما لم يتواصل الفنان مع قضايا شعبه أولا فسيبقى في عزلة واغتراب .

واقعنا بالذات مرهون بواقع تهيمن عليه السياسة لا يمكن الانسلاخ عنه والهروب بإدعاء المثالية أو الفن من أجل الفن.

 العلاقة بين السياسة والواقع علاقة جدلية ..كل القضايا الإنسانة مرتبطة بالسياسة .

 

 

فالنتينا ابو عقصة: افقت من الاصابة لأخرج للصبح وأواصل!

التقتها: رحيق بصول          

 

لا انكر بان الفنانة فالنتينا ابو عقصة قد استحوذت على اهتمامي منذ فترة طويلة، فهي فنانة قل امثالها في عصر طغى به العنصر المادي على الفن والمسرح.. وفالنتينا معروفة باراءها التي تعبر عنها دون خوف او رادع وقد كلفها هذا الامر غالياً عندما تم تدمير مرفق يدها اليسرى برصاص جندي اسرائيلي.. ومع ذلك هي مستمرة لانها تؤمن بما تقدمه وبما تسعى لأجله..

 

هي من مواليد 67 قرية معليا. إحترفت المسرح منذ عام 87 وكانت بدايتها مع فرقة ومسرح الحكواتي (القدس) ومن اهم ما قدمته مع الفرقة: "مرتشوتكنا" من يوبيل تشيخوف ثم دور نجمة في "كفر شما" التي قدمتها في انحاء عدة من أوروبا عام 87. ثم شاركت مع مسرح السنابل في "ناطرين فرج" و "خربشة في محطة"..

 

مع الأطفال

 

ومن أبرز أدوارها مع المسرح الوطني الفلسطيني في القدس "اولغا في الأيدي القذرة" لجان بول سارتر، ومع مسرح الميدان "كاملة في بيت السيدة" للروركا. ومن أهم آخر أعمالها في القدس مع مسرح الحكواتي (باريس) أم علي في "لا لم يمت" لحسين البرغوتي. كما وقدمت في العام الفائت عدة أدوار في "ملحمة جلجامش" في باريس مع مسرح الحكواتي.

 

فالنتينا أقامت العديد من ورشات المسرح مع أطفال رام الله والقدس في بداية مسيرتها.. كتبت الشعر منذ صغرها ونشرت قصائدها في معظم الصحف الفلسطينية وصدر كتابها الأول "مرآه" عام 2001.. اسست مشروع "طفل فنان" في حيفا عام 2001.

 

وفي مجال الإخراج كتبت وأخرجت "الحلم" ومؤخرا أعدت وأخرجت "شبابيك الغزالة" من قصص شبابيك الغزالة لـ د. سهير أبوعقصة داود. وفور عودتها من إيطاليا في الأسبوع الفائت وبعد مشاركتها في أهم مهرجانات المسرح هناك.. كان لفرفش هذا اللقاء معها..

 

"شبابيك الغزالة" آخر أعمالك وهي التجربة الثانية في الإخراج.. ماذا تحدثينا عن العمل؟

 

عمل أخر

 

فالنتينا: "شبابيك الغزالة" قصة عامين من الدراسة والتعمق نابعة من حالة إحساس شديدة بالحنين والإخلاص للذاكرة جعلتني أصمم على تحقيقها على خشبة المسرح، ولما كان عملي في مشروع طفل فنان مع أجيال تشابة شخصيات قصص ذكريات الغزالة ومن بين جميع ما قرأت في فترتها شدني وألهمني.. لذلك لم يبق إلا الإصرار والإجتهاد لأحقق ذلك التطلع.. وقد تحدينا فقر المشروع وقفزنا على الصعاب وذللنا العقبات..

 

واقول ان الأسبوع الذي عاشه طاقم العمل في قرية معليا حارة الكنيسة في بيت الكاتبه والذي هو بيتي أيضا،  بيت الطفولة،  تجربة لم يسبق لها مثيل في العمل المسرحي المحلي.. أسبوع مضن من العمل الشاق والتحدي حين تأتين بأطفال يتنفسون هواء حيفا.. لديهم شيئا من متع الحياة، ليعيشوا قصص الفقر والحرمان والحرب والمعاناة.. يتعلمون كيف يغوصون في تجارب الأخرين.. يتعلمون كيف يتقنون العربية  فيقدمون على المسرح كومة من الأحاسيس أذهلت الحضور..

 

ردود الفعل المذهلة بعد عروض معليا وحيفا هي حصاد ما إجتهدنا وزرعنا، الجمهور دائما هو الحكم.. وقد قال كلمته..

 

مشروع طفل فنان، من أين نشأت الفكرة؟

 

فالنتينا: ربما إسم المشروع كان إلهاما ولكن المشروع بحد ذاته ومباشرته على أرض الواقع أتى بعد أشهر طويله من التدقيق والتفكير في واقع حال المسرح، الاطفال.. وأسئلة وجودية للذات عن كيف يمكن أن أسهم بغير ما أقدم على خشبة المسرح، ووجدت ان الأهم هوأن أسعى في المبادرة بالتغيير.. والطفل هو أساس التغيير. نعمل على تصحيح المسرح ومفهوم العمل المسرحي لدى الأطفال بما يقدمون وما يقدم لهم، ومن ثم العائلة وللمجتمع ألاوسع.. المشروع نتاج لعملية تراكمية من البحث عن إستراتيجية للبناء والتغيير، وفي المشروع نسعى إلى عمل جماعي مجتمعي مسرحي يخرج أكبر عدد من أطفالنا كمشاركين على الخشبه أو كمشاركين وبمشاركة الفنانين والداعمين وألأهل إلى خلق حالة من الشراكة والمسؤولية ورفع مستوى رؤيتنا لما يمكن أن يقدر الطفل فعله وهو جيل المستقبل وكما أقول دائما "نبني الثقافة نبني الأجيال".

 

هل تعتقدين ان المسرح قادر على احداث تغيير في واقع اطفالنا، في ظل غياب مؤسسات ونوادي تثقيفية اخرى تدعمه؟

في ايطاليا

 

فالنتينا: المسرح قادر دائما على الإسهام في التغيير.. ولكن ما لم يكن فعل المسرح منطلقا من هذا المبدأ ومعمولا به أي بمعنى أوضح ان عدم تحويل ذلك المفهوم إلى حالة وحركة مسرح مستمرة ومتناغمة فإن المسرح سيفتقر إلى أرض يمكن أن يثمر بها.. وهذا ينطبق حتما على عالم ألأطفال، أطفالنا بالذات يعيشون حالة من الأغتراب، من فقدان الأمان الداخلي، وتغريهم منصات مؤسسات الدولة التي لا يجدون لها بديلا.. وجاء مشروع طفل فنان في مجال المسرح مشروعا رائدا في مجتمعنا لخلق منصة ينطلقون عبرها فيعبرون عن أحاسيسهم ومكنوناتهم وخصوصيتهم.

 

بعد أربع سنوات على بدء العمل في المشروع، هل برأيك قمت بتحقيق جزء من تطلعاتك؟

فالنتينا: نعم مر على المشروع أربع سنوات.. لم أكن أرغب في أن أستثني عاما من عمر المشروع، عاما بدأ في 9-4-2002 رصاصة جعلت رحلتي بين المستشفيات طويلة، صعبة وقاسية.. وبرغمها حققنا تجربة مسرحية في طمرة.

 

إن تاسيس المشروع وإستمراره إنجاز بحد ذاته وما حققناه، قياسا بعمر المشروع وإمكاناته الفقيرة جدا عجزت عن تحقيقة كبرى المؤسسات القادرة والمتكمنة، وأود أن أذكر أن هذا بفعل إيمانننا المطلق بضرورة وجوده وبفعل مجهود ألأطفال ألأهالي والمخلصين والفنانين الذين تطوعوا وساهموا مساهمة فاعلة لنجاحه وإستمراره. ومع هذه الإنجازات التي أتواضع بذكرها فإن خطط وبرامج المشروع المستقبلي تتدفق تواليا.

 

ما هي أهم الانجازات التي حققها المشروع؟

ورشة عمل اخرى

 

فالنتينا: من أهم إلإنجازات عرض تجارب مسرحية، وتقديم عملين مسرحيين وعرضهما وهما: "الحلم" و "شبابيك الغزالة". إستضافة عروض مسرحية وغيرها من إيطاليا، الحصول على منحتي مسرح من نابولي، إستضافة الفضائية الفلسطينية للحلم وأطفال حيفا. ومؤخرا مشاركة "الحلم" في مهرجان مسرح دولي في سردينيا.

 

وتاتي تلك الإنجازات كطريق لتحقيق إنجازات ذات بعد شمولي منها إظهار كفاءات وقدرات الأطفال، خلق حالة مسرح تعالج قضاينا فتتوسع دائرة المشاركة من الطفل العائلة المجتمع.. واليوم للمشروع جمهور واسع، متنوع ومنتشر شده جدية ومستوى ما يقدم في أنحاء واسعة في البلاد ونحن نوصل صوتنا إلى الخارج.

 

تعرضت في (9-4-2002) لاصابة حادة في اليد بعد ان اقدم احد الجنود الاسرائيليين أصابك برصاص حي، ماذا خلف الامر عند فالنتينا؟

 

فالنتينا: إن العجز الواضح والصعب والذي سيلازمني أبدا مؤلم بكافة المقاييس، حين أعجز عن أداء عدة أعمال في الحياة اليومية ويمنعني من اداء العديد من ألاعمال أيضا على خشبة المسرح وهذا ما أدركته حين شاركت بملحمة جلجامش في باريس.. ما مر علي وعلى عائلتي خلال فترة الإصابة والعلاج كان تحديا لإرادتي، طموحي، مستقبلي.. وفي حالات الإنكسار أحيانا والخسارة أحيانا أخرى أفقت لأخرج للصبح وأواصل، يوجعني عندما يسألني أحيانا أبني وهو في الخامسة من عمره متى ستعود يدك كما كانت، فأجيبه: "لن تعود، لا تقلق إنها جيده هكذا". .. وهكذا

 

ما هي الصعوبات التي تواجه الفنانة المحلية: الواقع الذي تعيشه او كونها امراة؟

 

ما لم يتواصل الفنان مع قضايا شعبه أولا فسيبقى في عزلة وإغتراب،

 

فالنتينا: طبعا لا يمكن إختصار الصعوبات أو إختزالها في أي من ألأمثلة  فكل تواجه صعوباتها الخاصة تباعا لخصوصية ظروفها نشأتها وتطلعاتها، وما يمكن أن يقال في هذا السياق أن أسماء لامعة لفنانات عصاميات  وهن قلة قطعن شوطا عريضا في العديد من مجالات الفن ساهم في تدفق العديد بعدهن ليخضن مجال الفن، وعلى الحديثات في هذا المجال الأدراك أن هذا الطريق شائك جدا ويحتاج إلى الإقدام والإرادة، وأود أن أنوه إلى نقطة حول ذلك أنه لا تزال بالأغلب المرأة في عالم الفن عنصرا متلقيا وليس مبادرا كما في مجمل ألأعمال الحياتية.

 

هل ترين انه من الضرورة ان يخدم الفن القضايا السياسية التي يعيشها الفنان وابناء شعبه؟

 

فالنتينا: الأمر لا يخضع للضرورة بقدر ما هو تحصيل حاصل أي بمعنى أنه حتمي أن يساهم الفن في خدمة  أي قضية في حالة تعرض لها الفنان.. ولذا يمكن أن يكون السؤال هل من الضرورة أن يسهم الفنان في معالجة وطرح  القضايا السياسية التي يعيشها شعبه؟؟ فالجواب قاطع بالإيجاب، ما لم يتواصل الفنان مع قضايا شعبه أولا فسيبقى في عزلة وإغتراب، ولعل واقعنا  بالذات مرهون بواقع تهيمن عليه السياسه لا يمكن الإنسلاخ عنه والهروب بإدعاء الميثالية أو الفن من أجل ألفن.. أريد أن اوضح أن العالم الواقع الذي نعيش ويغلب عليه الطابع السياسي لا يلغي أيا من تفاصيل الحياة الأخرى كما يطرح البعض فالعلاقة بين السياسة والواقع علاقة جدلية.. كل القضايا الأنسانية مرتبطة بالسياسة.. وفي واقع الأحتلال هو أكثر من مضاعف.. جان بول سارت كتب في مسرحياته عن واقع سياسي، وتشيخوف عن واقع رأسمالي.. وبرخت أيضا..

 

تشاركين كثيراً في مهرجانات في اوروبا، ماذا يضيف ذلك لرصيد فالنتينا؟

 

فالنتينا: العوالم خارج حيز المكان صقلتني وجعلني ولا زالت  أكثر إدراكا ووعيا إلى ما يدور وهذا يشابة القراءة المشاركة والإحتكاك مع العديد من الحضارات العادات. ألأفكار التجربة مدرسة بحد ذاتها وهي نبع من المعرفة والخبرات وأعمل لإستثمارها بكل إجتهاد.. وفي ذات الوقت إن سعيي إلى ذلك العالم هو نوع من التواجد والوجود.. طرح وجودي وآخرين في منطقة يحاول الآخر تغيبنا عن خريطتها.. والفنان رسولا لوطنه إذا إستطاع.. والمسرح سبيل لشرح الذات.   هناك جهل في بعض المجتمعات الغربية عن حقيقة واقعنا ثقافتنا وتراثنا نحن كعرب فلسطينين  يستميت الاعلام الصهيوني والمؤازر له ليس فقط تشويهها بل وقلبها.. ولا يعرف الكثيرون وممن قابلت ان هناك مليون عربي فلسطينيي يعيشون داخل حدود دولة إسرائيل، إننا نسهم ومن خلال المسرح ونشاطات مرافقه مع مخلصين آخرين في ترسيخ حقيقة ووجودنا وأصالة تراثنا ومفاهيمنا وحقنا في المكان والمستقبل..